سورة الحجر - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{كذلك نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي كما سلكنا الكفر أو الاستهزاء في شيع الأولين نسلكه أي الكفر أو الاستهزاء في قلوب المجرمين من أمتك من اختار ذلك. يقال: سلكت الخيط في الإبرة وأسلكته إذا أدخلته فيها وهو حجة على المعتزلة في الأصلح وخلق الأفعال {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} بالله أو بالذكر وهو حال {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} مضت طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذبوا رسله وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِنَ السمآء} ولو أظهرنا لهم أوضح آية وهو فتح باب من السماء {فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} يصعدون {لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبصارنا} حيرت أو حبست من الإبصار أو من السكر، {سكِرت} مكي أي حبست كما يحبس النهر من الجري، والمعنى أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا هو شيء نتخايله لا حقيقة له ولقالوا {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} قد سحرنا محمد بذلك، أو الضمير للملائكة أي لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عياناً لقالوا ذلك. وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون وقال: إنما ليدل على أنهم يبتون القول بأن ذلك ليس إلا تسكيراً للأبصار {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السمآء} خلقنا فيها {بُرُوجاً} نجوماً أو قصوراً فيها الحرس أو منازل للنجوم {وزيناها} أي السماء {للناظرين وحفظناها} أي السماء {مِن كُلِّ شيطان رَّجِيمٍ} ملعون أو مرمي بالنجوم {إِلاَّ مَنِ استرق السمع} أي المسموع و{من} في محل النص على الاستثناء {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} نجم ينقض فيعود {مُّبِينٌ} ظاهر للمبصرين. قيل: كانوا لا يحجبون عن السماوات كلها فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات كلها.


{والأرض مددناها} بسطناها من تحت الكعبة، والجمهور على أنه تعالى مدها على وجه الماء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} في الأرض جبالاً ثوابت {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} وزن بميزان الحكمة وقدر بمقدار تقتضيه لا تصلح فيه زيادة ولا نقصان، أوله وزن وقدر في أبواب المنفعة والنعمة، أو ما يوزن كالزعفران والذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها، وخص ما يوزن لانتهاء الكيل إلى الوزن {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا} في الأرض {معايش} ما يعاش به من المطاعم جمع معيشة وهي بياء صريحة بخلاف الخبائث ونحوها فإن تصريح الياء فيها خطأ {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين} {من} في محل النصب بالعطف على {معايش} أو على محل {لكم} كأنه قيل وجعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لكم من لستم له برازقين، أو جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين يظنون أنهم يرزقونهم ويخطئون فإن الله هو الرزاق يرزقهم وإياهم، ويدخل فيه الأنعام والدواب ونحو ذلك. ولا يجوز أن يكون محل {من} جراً بالعطف على الضمير المجرور في {لكم} لأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار {وَإِن مِّن شَئ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} ذكر الخزائن تمثيل والمعنى وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به، وما نعطيه إلا بمقدار معلوم فضرب الخزائن مثلاً لاقتداره على كل مقدور {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} جمع لاقحة أي وأرسلنا الرياح حوامل بالسحاب لأنها تحمل السحاب في جوفها كأنها لاقحة بها من لقحت الناقة حملت وضدها العقيم. {الريح} حمزة {فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} فجعلناه لكم سقياً {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين} نفى عنهم ما اثبته لنفسه في قوله: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} كأنه قال: نحن الخازنون للماء على معنى نحن القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها، وما أنتم عليه بقادرين دلالة عظيمة على قدرته وعجزهم.


{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيي وَنُمِيتُ} أي نحيي بالإيجاد ونميت بالإفناء، أو نميت عند انقضاء الآجال ونحيي لجزاء الأعمال على التقديم والتأخير إذ الواو للجمع المطلق {وَنَحْنُ الوارثون} الباقون بعد هلاك الخلق كلهم. وقيل: للباقي وارث استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستخرين} من تقدم ولادة وموتاً ومن تأخر، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد، أو من تقدم في الإسلام أو في الطاعة أو في صف الجماعة أو في صف الحرب ومن تأخر، {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أي هو وحده يقدر على حشرهم ويحيط بحصرهم {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} باهر الحكمة واسع العلم. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} أي آدم {مِن صلصال} طين يابس غير مطبوخ {مِّنْ حَمَإٍ} صفة {لصلصال} أي خلقه من صلصال كائن من حمإ أي طين أسود متغير {مَّسْنُونٍ} مصور.
وفي الأول كان تراباً فعجن بالماء فصار طيناً فمكث فصار حمأ فخلص فصار سلالة فصوِّر ويبس فصار صلصالاً فلا تناقض {والجآن} أبا الجن كآدم للناس أو هو إبليس وهو منصوب بفعل مضمر يفسره {خلقناه مِن قَبْلُ} من قبل آدم {مِن نَّارِ السموم} من نار الحر الشديد النافذ في المسام. قيل: هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من سموم النار التي خلق الله منها الجان {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} واذكر وقت قوله {للملائكة إِنّى خالق بَشَرًا مِّن صلصال مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أتممت خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيها {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} وجعلت فيه الروح وأحييته وليس ثمة نفخ وإنما هو تمثيل والإضافة للتخصيص {فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} هو أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض يعني اسجدوا له، ودخل الفاء لأنه جواب {إذا} وهو دليل على أنه يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6